فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والدليل عليه قوله تعالى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} [البقرة: 259]. أي لم يتغير.
الثاني: المسنون المحكوك وهو مأخوذ من سننت الحجر إذا حككته عليه، والذي يخرج من بينهما يقال له السنن وسمي المسن مسنًا لأن الحديد يسن عليه.
والثالث: قال الزجاج: هذا اللفظ مأخوذ من أنه موضوع على سنن الطريق لأنه متى كان كذلك فقد تغير.
الرابع: قال أبو عبيدة: المسنون المصبوب، والسن والصب يقال سن الماء على وجهه سنًا.
الخامس: قال سيبويه: المسنون المصور على صورة ومثال، من سنة الوجه وهي صورته، السادس: روي عن ابن عباس أنه قال: المسنون الطين الرطب، وهذا يعود إلى قول أبي عبيدة، لأنه إذا كان رطبًا يسيل وينبسط على الأرض، فيكون مسنونًا بمعنى أنه مصبوب.
أما قوله تعالى: {والجآن خلقناه} فاختلفوا في أن الجان من هو؟ فقال عطاء عن ابن عباس: يريد إبليس وهو قول الحسن ومقاتل وقتادة.
وقال ابن عباس في رواية أخرى: الجان هو أب الجن وهو قول الأكثرين.
وسمي جانًا لتواريه عن الأعين، كما سمي الجنين جنينًا لهذا السبب، والجنين متوارٍ في بطن أمه، ومعنى الجان في اللغة الساتر من قولك: جن الشيء إذا ستره، فالجان المذكور هاهنا يحتمل أنه سمي جانًا لأنه يستر نفسه عن أعين بني آدم، أو يكون من باب الفاعل الذي يراد به المفعول كما يقال في لابن وتامر وماء دافق وعيشة راضية.
واختلفوا في الجن فقال بعضهم: إنهم جنس غير الشياطين والأصح أن الشياطين قسم من الجن، فكل من كان منهم مؤمنًا فإنه لا يسمى بالشيطان، وكل من كان منهم كافرًا يسمى بهذا الاسم، والدليل على صحة ذلك أن لفظ الجن مشتق من الاستتار، فكل من كان كذلك كان من الجن، وقوله تعالى: {خلقناه مِن قَبْلُ} قال ابن عباس: يريد من قبل خلق آدم، وقوله: {مِن نَّارِ السموم} معنى السموم في اللغة: الريح الحارة تكون بالنهار وقد تكون بالليل، وعلى هذا فالريح الحارة فيها نار ولها لفح وأوار، على ما ورد في الخبر أنها لفح جهنم.
قيل: سميت سمومًا لأنها بلطفها تدخل في مسام البدن، وهي الخروق الخفية التي تكون في جلد الإنسان يبرز منها عرقه وبخار باطنه.
قال ابن مسعود: هذه السموم جزء من سبعين جزأ من السموم التي خلق الله بها الجان وتلا هذه الآية.
فإن قيل: كيف يعقل خلق الجان من النار؟
قلنا: هذا على مذهبنا ظاهر، لأن البنية عندنا ليست شرطًا لإمكان حصول الحياة، فالله تعالى قادر على خلق الحياة والعلم في الجوهر الفرد، فكذلك يكون قادرًا على خلق الحياة والعقل في الجسم الحار، واستدل بعضهم على أن الكواكب يمتنع حصول الحياة فيها قال: لأن الشمس في غاية الحرارة وما كان كذلك امتنع حصول الحياة فيه فننقضه عليه بقوله تعالى: {والجآن خلقناه مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السموم} بل المعتمد في نفي الحياة عن الكواكب الإجماع.
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28)}
اعلم أنه تعالى لما ذكر حدوث الإنسان الأول واستدل بذكره على وجود الإله القادر المختار ذكر بعده واقعته وهو أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود له فأطاعوه إلا إبليس فإنه أبى وتمرد، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
ما تفسير كونه بشرًا.
فالمراد منه كونه جسمًا كثيفًا يباشر ويلاقي والملائكة والجن لا يباشرون للطف أجسامهم عن أجسام البشر، والبشرة ظاهرة الجلد من كل حيوان وأما كونه صلصالًا من حمأ مسنون فقد تقدم ذكره.
وأما قوله: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} ففيه قولان: الأول: فإذا سويت شكله بالصورة الإنسانية والخلقة البشرية.
والثاني: فإذا سويت أجزاء بدنه باعتدال الطبائع وتناسب الأمشاج كما قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} [الإنسان: 2].
وأما قوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} ففيه مباحث: الأول: أن النفخ إجراء الريح في تجاويف جسم آخر، وظاهر هذا اللفظ يشعر بأن الروح هي الريح، وإلا لما صح وصفها بالنفخ إلا أن البحث الكامل في حقيقة الروح سيجيء في قوله تعالى: {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّي} [الإسراء: 85]، وإنما أضاف الله سبحانه روح آدم إلى نفسه تشريفًا له وتكريمًا.
وقوله: {فَقَعُواْ لَهُ ساجدين} فيه مباحث: أحدها: أن ذلك السجود كان لآدم في الحقيقة أو كان آدم كالقبلة لذلك السجود، وهذا البحث قد تقدم ذكره في سورة البقرة.
وثانيها: أن المأمورين بالسجود لآدم عليه السلام كل ملائكة السموات أو بعضهم أو ملائكة الأرض، من الناس من لا يجوز أن يقال: إن أكابر الملائكة كانوا مأمورين بالسجود لآدم عليه السلام، والدليل عليه قوله تعالى في آخر سورة الأَعراف في صفة الملائكة: {إِنَّ الذين عِندَ رَبّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206]. فقوله: {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} يفيد الحصر، وذلك يدل على أنهم لا يسجدون إلا لله تعالى وذلك ينافي كونهم ساجدين لآدم عليه السلام أو لأحد غير الله تعالى أقصى ما في الباب أن يقال: إن قوله تعالى: {فَقَعُواْ لَهُ ساجدين} يفيد العموم، إلا أن الخاص مقدم على العام.
وثالثها: أن ظاهر الآية يدل على أنه تعالى كما نفخ الروح في آدم عليه السلام وجب على الملائكة أن يسجدوا له، لأن قوله: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ ساجدين} مذكور بفاء التعقيب وذلك يمنع من التراخي وقوله: {فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} قال الخليل وسيبويه قوله: {كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} توكيد بعد توكيد، وسئل المبرد عن هذه الآية فقال: لو قال فسجد الملائكة احتمل أن يكون سجد بعضهم، فلما قال: {كُلُّهُمْ} زال هذا الاحتمال فظهر أنهم بأسرهم سجدوا، ثم بعد هذا بقي احتمال آخر وهو أنهم سجدوا دفعة واحدة أو سجد كل واحد منهم في وقت آخر فلما قال: {أَجْمَعُونَ} ظهر أن الكل سجدوا دفعة واحدة، ولما حكى الزجاج هذا القول عن المبرد قال: وقول الخليل وسيبويه أجود، لأن أجمعين معرفة فلا يكون حالًا وقوله: {إِلاَّ إِبْلِيسَ} أجمعوا على أن إبليس كان مأمورًا بالسجود لآدم، واختلفوا في أنه هل كان من الملائكة أم لا؟ وقد سبقت هذه المسألة بالاستقصاء في سورة البقرة وقوله: {أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين} استئناف وتقديره أن قائلًا قال: هلا سجد فقيل: أبى ذلك واستكبر عنه.
أما قوله: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ الساجدين} فاعلم أنهم أجمعوا على أن المراد من قوله: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ} أي قال الله تعالى له يا إبليس وهذا يقتضي أنه تعالى تكلم معه، فعند هذا قال بعض المتكلمين: إنه تعالى أوصل هذا الخطاب إلى إبليس على لسان بعض رسله، إلا أن هذا ضعيف، لأن إبليس قال في الجواب: {لَمْ أَكُن لأِسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صلصال} فقوله: {خَلَقْتَهُ} خطاب الحضور لا خطاب الغيبة، وظاهره يقتضي أن الله تعالى تكلم مع إبليس بغير واسطة وأن إبليس تكلم مع الله تعالى بغير واسطة، وكيف يعقل هذا مع أن مكالمة الله تعالى بغير واسطة من أعظم المناصب وأشرف المراتب، فكيف يعقل حصوله لرأس الكفرة ورئيسهم، ولعل الجواب عنه أن مكالمة الله تعالى إنما تكون منصبًا عاليًا إذا كان على سبيل الإكرام والإعظام، فأما إذا كان على سبيل الإهانة والإذلال فلا، وقوله: {لَمْ أَكُن لأِسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صلصال مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} فيه بحثان:
البحث الأول: اللام في قوله: {لأِسْجُدَ} لتأكيد النفي، ومعناه: لا يصح مني أن أسجد لبشر.
البحث الثاني: معنى هذا الكلام أن كونه بشرًا يشعر بكونه جسمًا كثيفًا وهو كان روحانيًا لطيفًا، فالتفرقة حاصلة بينهما في الحال من هذا الوجه.
كأنه يقول: البشر جسماني كثيف له بشرة، وأنا روحاني لطيف، والجسماني الكثيف أدون حالًا من الروحاني اللطيف، والأدون كيف يكون مسجودًا للأعلى، وأيضًا أن آدم مخلوق من صلصال تولد من حمأ مسنون، فهذا الأصل في غاية الدناءة وأصل إبليس هو النار وهي أشرف العناصر، فكان أصل إبليس أشرف من أصل آدم فوجب أن يكون إبليس أشرف من آدم، والأشرف يقبح أن يؤمر بالسجود للأدون، فالكلام الأول إشارة إلى الفرق الحاصل بسبب البشرية والروحانية، وهو فرق حاصل في الحال والكلام الثاني إشارة إلى الفرق الحاصل بحسب العنصر والأصل، فهذا مجموع شبهة إبليس وقوله تعالى: {قَالَ فاخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} فهذا ليس جوابًا عن تلك الشبهة على سبيل التصريح، ولكنه جواب عنها على سبيل التنبيه.
وتقريره أن الذي قاله الله تعالى نص، والذي قاله إبليس قياس، ومن عارض النص بالقياس كان رجيمًا ملعونًا.
وتمام الكلام في هذا المعنى ذكرناه مستقصى في سورة الأعراف، وقوله: {فاخرج مِنْهَا} قيل المراد من جنة عدن، وقيل من السموات، وقيل من زمرة الملائكة، وتمام هذا الكلام مع تفسير الرجيم قد سبق ذكره في سورة الأعراف وقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللعنة إلى يَوْمِ الدين} قال ابن عباس يريد يوم الجزاء حيث يجازي العباد بأعمالهم مثل قوله: {مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4].
فإن قيل: كلمة {إلى} تفيد انتهاء الغاية فهذا يشعر بأن اللعن لا يحصل إلا إلى يوم القيامة، وعند قيام القيامة يزول اللعن.
أجابوا عنه من وجوه: الأول: المراد منه التأبيد، وذكر القيامة أبعد غاية يذكرها الناس في كلامهم كقولهم: {مَا دَامَتِ السموات والأرض} [هود: 107]. في التأبيد.
والثاني: أنك مذموم مدعو عليك باللعنة في السموات والأرض إلى يوم الدين من غير أن يعذب فإذا جاء ذلك اليوم عذب عذابًا ينسى اللعن معه فيصير اللعن حينئذ كالزائل بسبب أن شدة العذاب تذهل عنه. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حَمَإٍ مسنون}
أما الإنسان ها هنا فهو آدم عليه السلام في قول أبي هريرة والضحاك.
أما الصلصال ففيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الطين اليابس الذي لم تصبه نار، فإذا نقرته صل فسمعت له صلصلة، قاله ابن عباس وقتادة، ومنه قول الشاعر:
وقاعٍ ترى الصَّلصال فيه ودونه ** بقايا بلالٍ بالقرى والمناكبِ

والصلصة: الصوت الشديد المسموع من غير الحيوان، وهو مثل القعقعة في الثوب.
الثاني: أنه طين خلط برمل، قاله عكرمة.
الثالث: أنه الطين المنتن، قاله مجاهد، مأخوذ من قولهم: صَلَّ اللحمُ وأصَلَّ إذا أنتن، قال الشاعر:
ذاك فتى يبذل ذا قدرِهِ ** لا يفسد اللحم لديه الصلول

والحمأ: جمع حمأة وهو الطين الأسود المتغير.
وفي المسنون سبعة أقاويل:
أحدها: أن المسنون المنتن المتغير، من قولهم قد أسن الماء إذا تغير، قاله ابن عباس، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت:
سَقَتْ صدايَ رضابًا غير ذي أَسَنٍ ** كالمسكِ فُتَّ على ماءٍ العناقيد

الثاني: أن المسنون المنصوب القائم، من قولهم وجه مسنون، قاله الأخفش.
الثالث: أن المسنون المصبوب، من قولهم سنيتُ الماء على الوجه إذا صببته عليه، قاله أبو عمرو بن العلاء، ومنه الأثر المروي عن عمر أنه كان يسن الماء على وجهه ولا يشنُّه، والشن تفريق الماء، والسن صبه.
الرابع: أن المسنون الذي يحك بعضه بعضًا، من قولهم سننت الحجر على الحجر إذا حككت أحدهما بالآخر، ومنه سمي المسَنّ لأن الحديد يسن عليه، قاله الفراء.
الخامس: أن المسنون المنسوب.
السادس: أنه الرطب، قاله ابن أبي طلحة.
السابع: أنه المخلص من قولهم سن سيفك أي اجلهُ.
قوله عز وجل: {والجانَّ خلقناه من قبل من نار السموم} وفي الجان ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه إبليس، قاله الحسن.
الثاني: أنهم الجن حكاه ابن شجرة.
الثالث: أنه أبو الجن قاله الكلبي فآدم أبو الإنس، والجان: أبو الجن، وإبليس أبو الشياطين.
قال ابن عباس: الجان أبو الجن وليسوا شياطين، والشياطين ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس، والجن يموتون، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر.
{خلقناه من قبل} يعني من قبل آدم. قال قتادة: لأن آدم إنما خلق آخر الخلق.
وقوله تعالى: {من نار السّموم} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: يعني من لهب النار، قاله ابن عباس.
الثاني: يعني من نار الشمس، قاله عمرو بن دينار.
الثالث: من حر السموم، والسموم: الريح الحارة. ذكره ابن عيسى.
الرابع: أنه نار السموم نار الصواعق بين السماء وبين حجاب دونها، قاله الكلبي وسمي سمومًا لدخوله في مسام البدن. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان} الآية، {الإنسان} هنا للجنس، والمراد آدم، قال ابن عباس سمي بذلك لأنه عهد إليه فنسي، ودخل من بعده في ذلك إذ هو من نسله، والصلصال: الطين الذي إذا جف صلصل، هذا قول فرقة، منها من قال: هو طين الخزف، ومنها قول الفراء: هو الطين الحر يخالطه رمل دقيق.
وقال ابن عباس: خلق من ثلاثة: من طين لازب وهو اللازق والجيد، ومن {صلصال} وهو الأرض الطيبة يقع عليها الماء ثم ينحسر فتشقق وتصير مثل الخزف، ومن {حمإ مسنون} وهو الطين في الحمأة.
قال القاضي أبو محمد: وكان الوجه أن يقال- على هذا المعنى- صلال، ولكن ضوعف الفعل من فائه وأبدلت إحدى اللامين من صلاص صادًا، وهذا مذهب الكوفيين، وقاله ابن جني والزبيدي ونحوهما على البصرة، ومذهب جمهور البصريين: إنهما فعلان متباينان، وكذلك قالوا في ثرة وثرثارة. قال بعضهم تقول: صل الخزف ونحوه: إذا صوت بتمديد: فإذا كان في صوته ترجيع كالجرس ونحوه قلت: صلصل، ومنه قول الكميت: البسيط.
فينا العناجيج تردي في أعنتها ** شعثًا تصلصل في أشداقها اللجم

وقال مجاهد وغيره: {صلصال} هنا إنما هو مأخوذ من صل اللحم وغيره: إذا انتن.
قال القاضي أبو محمد: فجعلوا معنى {صلصال} ومعنى {حمإ} في لزوم أنتن شيئًا واحدًا.
قال القاضي أبو محمد: والحمأ جمع حمأة وهو الطين الأسود المنتن يخالطه ماء، والمسنون قال معمر: هو المنتن، وهو من أسن الماء إذا تغير.
قال القاضي أبو محمد: والتصريف يرد هذا القول، وقال ابن عباس: المسنون: الرطب.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تفسير لا يخص اللفظة، وقال الحسن، المعنى: سن ذريته على خلقه، والذي يترتب في {مسنون} إما أن يكون بمعنى محكوك محكم العمل أملس السطح، فيكون من معنى المسن والسنان، وقولهم: سننت السكين وسننت الحجر: إذا أحكمت تمليسه، ومن ذلك قول الشاعر: الخفيف.
ثم دافعتها إلى القبة الخضرا ** ء وتمشي في مرمر مسنون

أي محكم الإملاس بالسن، وإما أن يكون بمعنى المصبوب، تقول: سننت التراب والماء إذا صببته شيئًا بعد شيء، ومنه قول عمرو بن العاص لمن حضر دفنه: إذا أدخلتموني في قبري فسنوا علي التراب سنًا، ومن هذا: هو سن الغارة، وقال الزجاج: هو مأخوذ من كونه على سنة الطريق، لأنه إنما يتغير إذا فارق الماء، فمعنى الآية- على هذا- من حمأ مصبوب موضوع بعضه فوق بعض على مثال وصورة.